[color=#ff6600]ميتون
على صوت سكون الليل المظلم, في ليال هجرها القمر, و اختفت من سماواتها اللآلئ, و زارتها الغيوم متلبدات مؤذنات بوابل مطير, و رعد و برق.
و من ذلك الشبح الهائل القابع فوق ربوة عالية, داخله حياة مترفة منعمة مملوءة بدفئ مخالف لقواعد الطبيعة, حيث يسكن صاحب القرار, و المتحكم في في مصير فقراء البلد, خرج فرسان مدججون بالسلاح ملثمون, و الشر باد في العيون, و الشرر يسبقهم الى حيث يتوجهون.
لقد تلقوا الأوامر, فهناك من لا يعجبه الأمير, و صرح بما في نفسه, هناك لسان لابد ان يـُــقطع, و قلم لابد أن ينكسر, و قلب لا بد ان يتوقف نبضه...
و على ومضة من ومضات برق الليلة العصيبة تـُظهر الفرسان, و تـُظهر الفارين من الطريق حتى لا تدوسهم سنابك خيل جند الأمير, الخوف في العيون, و صراخ مكتوم, و قلب محطم يريد التلاشي و الاختفاء, كل لزم داره و لم يخرج من مكمنه فهم يعلمون, و يا هول ما يعلمون.
و بدون ان يبدأ الوابل بقطر انهمر فجأة و بدون مقدمات القطرات فتحت شلالات المطر لعلها تغسل ما في القلوب او تشفي, لعلها تردع ظلما, أو تطهر نفسا, لعلها تضمد جرحا, أو تمنع جرما!!!
السائرون في الطريق لا يرون غيره, يسيرون فيه, ينفذون هدفهم, لا يردعهم رادع, و لا يردهم راد, و جرذان الطريق هي الأخرى اختفت, كأنها تعلم, فهي ليست أشجع من المتلحفين بجدران لا تقيهم برد و لا حر.
و صاحب المصير في مكمنه يرتعد, و هو عالم بمصيره, و لكنه لا يستطيع حتى الفرار, فقد ألزمه الرعب مكانه, و سلمه لمصيره, و صار يقينا عنده انه لا مكان له ليفر, و أخذ يلعن لسانه, و يلعن قلمه, و يلعن زوجته, و يلعن ابنائه, و يحتضن الجميع في نفس الوقت و يقبلهم و يضمهم إليهم, و يبكي و يبكون معه, و لا يدرون ما المصير, بل يدرون و لا يعلمون ما يفعلون, فقط مستسلمون فهم لا يعرفون غير الاستسلام و الاستسلام فقط....
و الفرسان على صهوات الجياد يشقون طريقهم و يدوسون في برك المطر, ينثرون المياه على النوافذ القريبة من الأرض للمنازل المدفونة, التي لا تستطيع دخولها الا اذا احنيت رقبتك, لتنزل الى بيت فقير, خال من كل ما يساعد على العيش او محاولة العيش.
و الرعد يزأر فوق الرؤوس, ينذر بالويل و الثبور, و البرق يحاول الوصول للأرض ليخطف قربانا, يقدمه للسحاب, لعلها تتركه لحاله, فهو لا يريد ان ينظر لهؤلاء الأرضيين فهم بين اثنين, خائفين و متجبرين.
و انهار الباب على الضحية, و في لحظات خرجت من الزمن, امتدت الأيادي لتخرجه من عشه, كما تسحب الدجاجات و الأرانب الى مصيرها و تعلقت الأيدي و تشابكت, اياد قوية تشده للخارج, و أخرى خائرة القوى تتشبث, و هو في اتجاه واحد, فالنصر في بلد الفقراء للأقوى, و الأيادي ممدودة, و الأعين دامعة متوسلة, و القلوب ممزقة, و الأجساد واهنة.
أم تحتضن طفلين بقوة, تريد ان تعيدهما الى الأحشاء, فهذا الزمان ليس لمثلهما, و تكتم صوتهما في صدرها, يبكيان الأب, و تنوح على السند و الظهر, و جد و جدة يبكيان ابنا كان لهما صبرا على نوائب الدهر و ملمات الحياة, و الآن بعد الرجاء, ضاع منهما.
[color:7947=#ff6600:7947]صرخة مكتومة, و صوت ارتطام بالأرض, و كرة تدحرج, و أصوات سنابك خيل تبتعدو منتشية بانتصار على قلم, و بكت السماء بحرقة, و اشتد الرعد, و اضاءها البرق.... و لكنها كانت الانتفاضة الأخيرة للسماء فكما بدأت قوية ماتت.