ليله زواج حنونه

ليـــلة زواج المعدّاوي

1 -
- ياليييييييل ... يابو الغلابة يا.. ليل ..
من بطن الزريبة ، وفي دغويشة المغرب تصاعد صوت المعدّاوي خشناً جريحاً كأنه يتصاعد من قلب قُدّ من طين شِِرب ..
كان المعدّاوي قد انتهي لتوه من ربط آخر بهيمة في حلقة الطوالة الحديدية ، وراح يرش مجروش الفول علي التبن ويقلبه وهو يترنم بموال الليل والغلابة .. رمقته البقرة السمينة بعينيها الواسعتين .. مسح علي رقبتها وألقمها " حفاناً " من الفول .. هزت رأسها شاكرة وهي تقرض الفول بأسنان قوية .. تبسم المعدّاوي ، فتكرمش جلد الوجه حول شفتيه .. تلفت حواليه بقلق ، لنفسه قال ..
- البت اتأخرت ..
كانت فطوم قد تأخرت بحسابه للزمن .. للمعدّاوي موازين أخري للزمن لا تدخل فيها الساعة أبداً .. فاليوم يبدأ مع أول شعاع للشمس حيث ينهض من نومه ليجد فطوم قد وضعت له طعاماً بجانبه .. يمد يده يأكل ما أمامه .. حين ينتهي يأخذ طريقه إلي الزريبة يحل رباط البهائم .. قبل أن يكتمل قرص الشمس ، يكون علي السكة متوسطاً بهائم الحاج في الطريق إلي الغيط .. عندما يختفي ظله علي الأرض تمتد يده إلي صرة الطعام المعلقة غلي فرع شجرة الصفصاف علي رأس الغيط .. وعندما تغطس الشمس في الغيطان البعيده.. يكون علي السكة ثانية في رحلة العودة .. يربط آخر بهيمة فتدخل فطوم .. رمق باب الزريبة في قلق .. همس وهو يتنهد ..
- البت اتأخرت ..
راح يلف حول البهائم ، يتأكد من حسن رباطها في حلقات الطوالة ، يمسح ظهورها وأعناقها .. يعلو صوته الخشن ..
- يا ليييل ... يا ابو الغلابة .. يا ... لييييل
دخلت فطوم .. حين شعر المعدّاوي بدخولها لم يستطع أن يوقف رجفة بقلبه ورعشة بيده فيما كان يتأكد – ربما للمرة العاشرة – من حسن رباط البقرة السمينة في حلقة الطوالة ..
فطوم لم تتسائل عن سر تلكؤه في الزريبة حتي السـاعة .. لكنها تسائلت – وكأنها تحدث نفسها – ودون أن تلتقي العيون ..
- انت لسه هنا .. ؟
لم يرد .. اتخذ من حافة الطوالة مجلسه وراح يرقبها في صمت .. ازدادت تجاعيد الوجه ، ونبتت بعض حبيبات العرق علي جبهته عند منابت الشعر فامتدت يده بلا وعي لتزيح طاقيته المتهرأة الأطراف إلي الخلف .. تابعها وهي تقعي تحت أول بهيمة ، تحسس بعينيه عجيزتها وهي تنحني .. شعر بموجة حارة تجتاح جسده .. هم أن يقول شيئاً .. لكنه تراجع وآثر الصمت ..مدت يدها إلي ضرع البهيمة وراحت تدلك حلمتها حتي حنت ، رفعت المترد وأسندته بين ركبتيها تحت الضرع مباشرة ، يطرطش سرسوب اللبن وهو يرتطم بقاع المترد الناشف وتعلو رغوته شيئاً فشيئاً حتى تصل إلي حافته ..
غير المعدّاوي من وضعه علي حافة الطوالة .. امتلأ المترد .. شالته فطّوم .. ارتفعت قامتها أمامه .. قدمته إليه بنظرات لينة وصوت خفيض ، وحمرة خفيفة تعلو الوجه ..
- اشرب يا وله ..
تناول المترد والتقت العيون للحظة ، رفعه وراح يشفط اللبن بصوت مرتفع، حين انتهي وضعه جانباً وبطرف كمه المتسخ مسح الرغوة العالقة بشاربه تنحنح .. استجمع نفسه وخرج صوته مهزوزاً متقطعاً ..
- أنا ح اكلم الحاج ..
اهتزت فطوم كلها .. شعرت بقلبها يقفز بين ضلوعها .. كاد المترد الثاني أن يقع من بين ركبتيها ..
- هـــه .. ؟
خرجت من بين شفتيها كهمسة واهنة .. نهض المعدّاوي دون أن يضيف شيئاً .. خاضت قدماه في وحل الزريبة ، كاد أن يصطدم بالباب ، تنفس بعمق هواء المغربية المشبع برائحة الحليب والروث ، ضوء النهار ينسحب من الحارة ببطء وهدوء ، ضجة العيال تزداد قبل دخول الليل، لم يلتفت إليهم ولم يشتمهم وهم يدورون حوله ويصيحون ..
- يا معدّاوي يا معدّاوي انت صايم .. ولاّ ناوي..
مضي مطرقاً حتي باب الدار الكبير ، دفعه برفق ودخل .. علي البرش القديم في وسط الدار قعد، مدد ساقيه القصيرتين وأسند ظهره للحائط .. ثبتت نظراته علي الحائط المقابل .. أصوات العيال تطن في أذنيه لا يميز منها شيئا.. تمدد الكلب بالقرب منه صامتاً وهو يحدق فيه..

-2-
قالت الحاجة بحذر وهي تبدل ملابسها استعداداً للنوم ..
- إيه رأيك في الموضوع ده يا حاج..؟
اللي تشوفيه يا حاجة .. مش عايز وجع دماغ كل شوية ..
علي خيرة الله .. نخلي لهم دار حبريش ..آهي قليلة المنفعة..
تمدد الحاج، وجذب الغطاء علي جسده وهو يتمتم بدعاء ما قبل النوم ..فهمت المرأة المجربة الرد كما تفهمه امرأة عاشرت الحاج لسنوات طويلة ..وهنا أحست بفيض من الراحة يجتاح جسدها وروحها، كانت تخشى أن يعترض، أو ينتفض غاضباً وتعلو الحمرة وجهه وهو يسبها هي وحنونة وفطوم ويلعن سنينهم ثم يحلف بالطلاق علي رفض الموضوع كلية .. لكن ها هو يوافق بسهولة ويسر، حدثتها نفسها أن هذا لابد وأن يكون بدافع من كرامات الرجل..تفتحت شهيتها للكلام والحديث، بادرت بسؤال الحاج وهي تمصمص شفتيها متعجبة عن بلده من أين عساه أن يكون هذا الغريب ؟ .. فاجأ السؤال الرجل، ربما لأنه لم يسأل نفسه من قبل مثل هذا السؤال ، تحير قليلاً ولما لم يجد إجابة ، أشاح بيده بما يعني أن الأمر غير هام لديه..
انقلب علي جنبه الأيسر مولياً ظهره للمرأة .. ولما لم تجد منه رغبة في الكلام، ظلت مستلقية علي ظهرها تحد في سقف الحجرة وهي تستعرض صوراً متفرقة، وأحداثاً متناثرة تحاول تجميعها والربط بينها في صورة واحدة لرجل غريب غامض شافت البلد الكثير من أمثاله، وفدوا عليها في أيام وأزمان بعيدة.. منهم من رحل، ومنهم من حط رحاله وأقام، لكن هذا الرجل يختلف عن كل هؤلاء .. إنه يختلف عن كل الرجال الذين تعرفهم.. أحياناً يترائى لها أنه ليس إنسياً..تحدثها نفسها أنه قد يكون جني علي هيئة الإنس.. وأحياناً تعتقد أنه ربما يكون ولياً من أولياء الله الصالحين، فهو رغم ضآلة جسده يتمتع بقوة بدن تفوق العشر رجال،وفي بعض الليالي كانت تتخيل أنها تسمع أناساً يتحدثون ويضحكون في وسط الدار..وفي ليالٍ أخري يخيل إليها أنها تسمع أصوات شجار وخناق، فتنهض من فراشها، تحمل لمبة الجاز الموضوعة دائماً علي بسطة السلالم وتهبط إلي الدور السفلي تستجلي الأمر فلا تجد شيئاً..اللهم إلا المعدّاوي ممدداً يغط في نومه، وبالقرب منه يستلقي الكلب صامتاً تماماً.. يتملكها العجب والخوف وتسرع إلي أعلي وهي تتمتم بآية الكرسي والمعوذتين.. وهي لا تنسي أبداً تلك الليلة التي شعرت فيها بهزة شديدة تكاد تهدم الدار علي رؤوس من فيها، وأصوات معاول تحطم الجدران والأبواب.. تملكها الرعب والهلع وخافت من النزول إلي الأسفل..خافت حتى من مغادرة فراشها وظلت مفتوحة العينين حتى الصباح تنتابها الظنون وتؤكد لنفسها أن الرجل الراقد بوسط الدار إن لم يكن شيطاناً في صورة إنسان فهو علي الأقل له صلة بهؤلاء الشياطين، ولابد للحاج من أن يصرفه.. وعندما طلع النهار أسرعت إلي الدور السفلي وهي تتوقع أن تري ركاماً.. ويا للعجب! لقد وجدت كل شيء علي حاله، فاضطرت إلي كتمان الأمر خشية اتهامها بالجنون أو التخريف، وإن ظلت علي يقينها بأن هذا الرجل لا يمكن أن يكون مثل غيره ..

-3-
المعدّاوي هيتجوز فطوم يا ولاد....
شاع الخبر في الحارة .. وما من أحدٍ سمع به إلاّ وأغرق في الضحك..
معقول الكلام ده ..؟ المعدّاوي !!
فسر امام الصفطاوي دهشة الناس بأنها تعبير عن صدمة الاكتشاف، وعندما سأله حموده البغل عن معني هذا الكلام، رد محاولاً تبسيط كلامه حتى يفهم حموده أن كل أهل الحارة اكتشفوا فجأة أن فطوم امرأة مثل كل النساء، وأن المعدّاوي رجل مثل كل الرجال.. هز حموده رأسه لأعلي وأسفل مدعياً الفهم وسكت، لكن الصفطاوي لم يسكت كعادته إذا بدأ موضوع يجيد فيه الكلام – وهو يجيد الكلام حقيقة في كل الموضوعات- ومضي يشرح لرفاقه بإسهاب كيف أن هذا الأمر كان متوقعاً خاصة وأن المعدّاوي يبدو أنه حط رحاله واستقر في البلد، وأن فطوم هي أنسب زوجة لمثله، وعندما شعر أن حبل الكلام سيمتد، أغلق الراديو الذي لا يفارقه ليل أو نهار، وواصل معلقاً..
ومش غريب ولا عجيب إن واحد جوّال يحط رحاله ويتجوز ..
حموده البغل ما زال يحملق في الصفطاوي وقد ثبتت نظراته علي الراديو الصامت علي يمينه، ويبدو أن شيئاً في هيئة الصفطاوي أثاره فقال بغيظ وهو يشيح بيده في وجه الصفطاوي..
هي دي سياسة كمان يا سي إمام ..؟
فتح البغل فمه قليلاً حين سمع الصفطاوي يرد بحدة وكأنه يتأهب لمعركة..
أيوه سياسة يا بغل *.. دا زواج طبقي ..
لم يفهم البغل في التو ما إذا كانت هذه إهانة موجهة لشخصه أم أنها حذلقة من حذلقات الصفطاوي الكثيرة والتي يلتقط فيها العديد مما يسمعه في الراديو ويضمنه كلامه فلا يفهمه أحد، حقيقة هو يميل إلي أنها إهانة يجب الرد عليها فوراً خاصة وأن الصفطاوي الملعون نطق بكلمة بغل بدون حموده، وأنه نطقها وفي فمه التواء الساخر ونبرة الشتم .. شعر معروف الزيني بما يدور بخلد حموده، ولأنه رجل عاقل وحكيم ولا يحب المشاكل- خاصة تلك التي تنشأ بين الصفطاوي المعتز بثقافته وبضعة سنوات قضاها بين أعمدة الأزهر الشريف وبين حموده المعتز بكفه التي تشبه المطرقة في تأثيرها علي وجه وجسد الصفطاوي- فأسـرع بالتدخـل مغيراً اتجـاه الحديث
-ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
· حموده البغل هذا ليس اسمه الحقيقي،· ولكن اسمه محمد وشهرته حموده أما البغل فهو لقب اكتسبه منذ كان صغيراً،· فقد كان ضخم الجثة قوياً مثل البغل وعندما شب علي ضخامته وقوته استمر اللقب مصاحباً له حتى رضي به بل وصل الأمر إلي اعتباره جزءاً من اسمه،· ولا زال الناس في بلدنا يذكرون ذلك اليوم الذي ذهب فيه إلي مركز الشرطة ليدلي بشهادته في حادث مقتل الخفير حسانين وحين سأله وكيل النيابة عن اسمه فرد بشكل تلقائي قائلاً " حموده البغل يا بيه " وهو لم يكن يغضب أبداً إذا ما نودي بلقبه من قبل أي شخص إلاّ أنه كان يضيق بشدة ويفرك كفه- كعادته حين يتهيأ للعراك- إذا سمع هذا اللقب من فم إمام الصفطاوي بالذات،· ولا يدري أحد السبب في ذلك ،· ولم يفسره حموده يوما..
ومشيراً إلي أنه ليس من الحكمة أن نلقي ببناتنا بين يدي أغراب لا نعرف شيئاً عن أصلهم أو فصلهم..رد هنداوى قائلاً ..
يا خي .. يعني هو كان جاي من اسرائيل! ما كلنا ولاد تسعه ..
وهنا أحس حموده بأنه كاد يتسرع في الرد علي الصفطاوي رداً قاسياً، فخف احمرار وجهه وآثر أن ينتظر حتى يوجه إليه الصفطاوي إهانة تكون أكثر وضوحاً من هذا الكلام الغامض، والذي يمكن أن يلام في حالة اتخاذه موقفاً متشدداً تجاه الصفطاوي وينعت بالجهل والغباء لأنه لم يفهم كلام الرجل، وأضمر في نفسه أن يكون الرد علي أية إهانة من قِبله لابد وأن يكون رادعاً بحيث يغلق فم ذلك الحمار من جهته إلي الأبد، ومرت عيناه علي الراديو بيمينه فعزم علي أن يضمنه دائرة انتقامه حتى لا يجد الرجل مصدراً لهذا الكلام الماسخ الذي يقذفه بوجوه الخلق..
أضاف هنداوي :
ربك والحق.. الواد بيشتغل بعشر أنفار..
أسرع البسيوني قائلاً وقد بدأ في ضحكته المميزة ..
يعني يستاهل عشر نسوان ..
أفاق حموده من تأملاته وخواطره تجاه الصفطاوي علي ضحكات الرجال تبرز من بينها ضحكة البسيوني الطويلة المتقطعة فانخرط معهم في موجة الضحك التي انتهت باتفاق الجميع علي أن الولد غلبان، ويستحق كل خير، وجانباً تعاهد هنداوي والبسيوني وحموده علي إقامة عرس لم يسبق له مثيل في الحارة للمعداوي وفطــــوم ..

تسلم ايدك يا عمرو

هههههههههههههههههههههههههه
تسلم ايدك ياعموووور
حلوة - ياليييييييل ... يابو الغلابة يا.. ليل ..
تسلم ايدك ياباشا ليله زواج حنونه 79858

تسلم ايدك ياا بو غاالى

» من طرائف ليله الزفاف
» كل اللى هتحتاجيه فى ليله الحنه